فصل: مطلب يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي فَرْدِ نَعْلٍ وَاحِدَةٍ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **


 مطلب لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَشَ عَلَى الْخَاتَمِ صُورَةُ حَيَوَانٍ

‏(‏تَنْبِيهَانِ‏:‏ الْأَوَّلُ‏)‏ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَشَ عَلَى الْخَاتَمِ صُورَةُ حَيَوَانٍ بِلَا نِزَاعٍ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ ‏,‏ لَكِنْ هَلْ يَحْرُمُ لُبْسُ الْخَاتَمِ الْمَنْقُوشِ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ فِيهِ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا يَحْرُمُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِرِ الْفُصُولِ ‏,‏ وَحَكَاهُ أَبُو حَكِيمٍ النِّهْرَوَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ ‏.‏

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ‏:‏ وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه فِي الثِّيَابِ وَالْخَوَاتِمِ وَذَكَرَ النَّصَّ ‏.‏

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ وَهُوَ الْمَذْهَبُ ‏.‏

وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْغَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ ‏,‏ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَصَحَّحَهُ أَبُو حَكِيمٍ ‏,‏ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْحَافِظِ ابْنِ رَجَبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

‏(‏الثَّانِي‏)‏ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّارِيخِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ بَلَغَهُ أَنَّ وَلَدَهُ اشْتَرَى فَصَّ خَاتَمٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ عَزَمْت عَلَيْك إلَّا مَا أَرْسَلْت خَاتَمَك أَوْ بعته بِأَلْفِ دِينَارٍ وَجَعَلْتهَا فِي بَطْنِ جَائِعٍ وَاسْتَعْمَلْت خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشْت عَلَيْهِ‏:‏ رَحِمَ اللَّهُ امْرًَا عَرَفَ نَفْسَهُ ‏.‏

وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِ عَلِيٍّ رضي الله عنه‏:‏ نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب يُسَنُّ ابْتِدَاءُ الْمُنْتَعِلِ بِالْيُمْنَى

وَيَحْسُنُ فِي الْيُمْنَى ابْتِدَاءُ انْتِعَالِهِ وَفِي الْخَلْعِ عَكْسٌ وَاكْرَهْ الْعَكْسَ ترشد ‏(‏وَيَحْسُنُ‏)‏ يَعْنِي يُسَنُّ ‏(‏بِ‏)‏ الرِّجْلِ ‏(‏الْيُمْنَى ابْتِدَاءُ انْتِعَالِهِ‏)‏ يَعْنِي أَوَّلَ مَا يَبْتَدِئُ فِي لُبْسِ النَّعْلِ أَنْ يُنْعِلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ‏,‏ وَجَمْعُ النَّعْلِ نِعَالٌ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ‏:‏ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى الْآنُ تاسومة ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ‏:‏ هِيَ لِبَاسُ الْأَنْبِيَاءِ ‏,‏ وَإِنَّمَا اتَّخَذَ النَّاسُ غَيْرَهَا ‏;‏ لِمَا فِي أَرْضِهِمْ مِنْ الطِّينِ ‏.‏

وَقَدْ يُطْلَقُ النَّعْلُ عَلَى كُلِّ مَا يَقِي الْقَدَمَ ‏.‏

قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ‏:‏ النَّعْلُ والنعلة مَا وُقِيَتْ بِهِ الْقَدَمُ ‏,‏ وَهُوَ الْمُرَادُ لِلنَّاظِمِ وَغَيْرِهِ ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏فِي الْخَلْعِ‏)‏ أَيْ خَلْعِ نَعْلَيْهِ ‏(‏عَكْسٌ‏)‏ أَيْ عَكْسُ مَا صَنَعَ فِي حَالَةِ الِانْتِعَالِ ‏,‏ فَيُسَنُّ لَهُ فِي حَالَةِ الْخَلْعِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِخَلْعِ نَعْلِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى لِتَكُونَ الْيُمْنَى أَوَّلَ رِجْلَيْهِ انْتِعَالًا ‏,‏ وَآخِرَهُمَا خَلْعًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ لِتَكُونَ الْيُمْنَى أَوَّلُهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرُهُمَا تُنْزَعُ ‏"‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ‏.‏

‏(‏وَاكْرَهْ‏)‏ أَنْتَ تَنْزِيهًا ‏(‏الْعَكْسَ‏)‏ بِأَنْ تُنْعِلَ أَوَّلًا الْيُسْرَى وَتَخْلَعَ أَوَّلًا الْيُمْنَى فَيُكْرَهُ ذَلِكَ ‏.‏

وَأَمَّا إذَا نَعَلْت أَوَّلًا الْيُمْنَى وَنَزَعْتهَا أَوَّلًا أَوْ بِالْعَكْسِ فَتَكُونُ قَدْ فَعَلْت مَسْنُونًا وَمَكْرُوهًا ‏,‏ وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ ‏,‏ بَلْ عَلَيْك بِنَعْلِ الْيُمْنَى أَوَّلًا وَخَلْعِ الْيُسْرَى أَوَّلًا لِيَحْصُلَ التَّيَامُنُ ‏,‏ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِيَدِك الْيُسْرَى ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ‏:‏ مَنْ بَدَأَ فِي الِانْتِعَالِ بِالْيُسْرَى أَسَاءَ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ ‏,‏ وَلَكِنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ نَعْلَيْهِ ‏.‏

وَنَقَلَ عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلِاسْتِحْبَابِ فَإِنْ تَمَسَّكْت بِذَلِكَ وَدُمْت عَلَيْهِ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ ‏(‏ترشد‏)‏ لِفِعْلِ الصَّوَابِ ‏,‏ وَمُتَابَعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْأَصْحَابِ ‏.‏

وَقَدْ مَرَّ غَيْرُ مَرَّةٍ أَنَّ التَّيَامُنَ مُسْتَحَبٌّ فِي شَأْنِ الْإِنْسَانِ كُلِّهِ ‏.‏

 مطلب يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي فَرْدِ نَعْلٍ وَاحِدَةٍ

وَيُكْرَهُ مَشْيُ الْمَرْءِ فِي فَرْدِ نَعْلِهِ اخْ تِيَارًا أَصِخْ حَتَّى لِإِصْلَاحِ مُفْسِدِ ‏(‏وَيُكْرَهُ‏)‏ تَنْزِيهًا ‏(‏مَشْيُ الْمَرْءِ‏)‏ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ‏(‏فِي فَرْدِ نَعْلِهِ‏)‏ أَيْ فِي نَعْلٍ فَرْدٍ وَالْمُرَادُ بِلَا حَاجَةٍ ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ بِلَا حَاجَةٍ ‏,‏ وَنَصُّهُ يَعْنِي الْإِمَامَ - رضي الله عنه‏:‏ وَلَوْ يَسِيرًا ‏.‏

وَلِذَا قَالَ النَّاظِمُ ‏(‏اخْتِيَارًا‏)‏ يَعْنِي فِي حَالِ اخْتِيَارِ الْمَاشِي مَعَ صِحَّةِ رِجْلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ رِجْلٌ وَاحِدَةٌ ‏.‏

أَوْ كَانَ بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ مَا يَمْنَعُ لُبْسَ النَّعْلِ مِنْ قُرْحَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ بِلُبْسِهِ فَرْدَةَ نَعْلٍ وَاحِدَةٍ ‏(‏أَصِخْ‏)‏ مِنْ صَاخَ وَأَصَاخَ إذَا اسْتَمَعَ أَيْ اسْتَمِعْ نِظَامِي وافتهم كَلَامِي وَعِ لَمَا أُبْدِيهِ لَك مِنْ الْأَحْكَامِ ‏,‏ فَإِنَّ مَنْ اسْتَمَعَ وَتَفَهَّمَ ‏,‏ وَوَعَى وَتَعَلَّمَ ‏,‏ وَارْتَقَى بِسُلَّمِ التَّعْلِيمِ عَلَّ الْأَنَامَ ‏,‏ إلَى أَنْ تَشْهَدَ لَهُ الْخَلِيقَةُ بِأَنَّهُ إمَامٌ ‏(‏حَتَّى‏)‏ تَنْتَهِيَ كَرَاهَةُ لُبْسِ فَرْدَةِ نَعْلٍ وَاحِدَةٍ ‏(‏ل‏)‏ أَجْلِ ‏(‏إصْلَاحِ مُفْسِدٍ‏)‏ أَيْ مِنْ نَعْلَيْهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إحْدَى نَعْلَيْهِ فَاسِدَةً غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلُّبْسِ وَالْأُخْرَى صَالِحَةً لَمْ تَزَلْ الْكَرَاهَةُ بِذَلِكَ ‏,‏ بَلْ يُكْرَهُ لُبْسُهُ الصَّحِيحَةَ ‏,‏ وَالْحَالَةُ هَذِهِ حَتَّى يُصْلِحَ الْفَاسِدَةَ وَيَلْبَسَهُمَا مَعًا ‏.‏

وَذَلِكَ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لينعلهما جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ لِيَحْفُهُمَا جَمِيعًا ‏"‏ ‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ‏"‏ إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا ‏"‏ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه ‏.‏

وَفِيهِ ‏"‏ وَلَا خُفٌّ وَاحِدٌ ‏"‏ ‏.‏

وَالشِّسْعُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ‏:‏ قُبَالُ النَّعْلِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ‏:‏ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِئَلَّا تَكُونَ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ أَرْفَعَ مِنْ الْأُخْرَى ‏,‏ وَيَكُونَ سَبَبًا لِلْعِثَارِ ‏,‏ وَيَقْبُحَ فِي الْمَنْظَرِ ‏,‏ وَيُعَابَ فَاعِلُهُ ‏.‏

وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَسَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ‏:‏ لَهُ لُبْسُ الصَّالِحَةِ وَحْدَهَا حَتَّى يُصْلِحَ الْفَاسِدَةَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ ‏,‏ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه مَشَى بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ ‏,‏ وَأَنَّ سَيِّدَتَنَا عَائِشَةَ رضي الله عنها مَشَتْ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ ‏.‏

قَالَ النَّاظِمُ‏:‏ وَدَلِيلُ الرُّخْصَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ مَشَى فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ ‏,‏ وَالْأُخْرَى فِي يَدِهِ حَتَّى يَجِدَ شِسْعًا ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأَحْسِبُ هَذَا لَا يَصِحُّ ‏.‏

وَنَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ‏:‏ لَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي يَعْنِي الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا الْخَبَرِ ‏.‏

قُلْت‏:‏ رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَفْظُهُ‏:‏ قَالَتْ‏:‏ رُبَّمَا انْقَطَعَ شِسْعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَشَى فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ حَتَّى يُصْلِحَهَا أَشَارَ فِي الْفَتْحِ إلَى ضَعْفِهِ ‏.‏

ورجح الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقْفَهُ عَلَى عَائِشَةَ ‏.‏

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْهَا أَيْضًا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ‏:‏ لأخالفن أَبَا هُرَيْرَةَ فَنَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لأحتفين ‏,‏ وَمَعْنَاهُ لَأَفْعَلَنَّ فِعْلًا يُخَالِفُهُ ‏.‏

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ ‏,‏ فَرُوِيَ لأخالفن ‏,‏ وَرُوِيَ لأحنثن ‏,‏ وَرُوِيَ لأخيفن بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ فَاءٌ ‏,‏ وَهِيَ تَصْحِيفٌ ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ‏:‏ لَمْ يَأْخُذْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِرَأْيِ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ ‏.‏

وَقَدْ وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ ‏,‏ وَكَأَنَّهُمَا حَمَلَا النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ ‏,‏ أَوْ كَانَ زَمَنَ فِعْلِهِمَا يَسِيرًا أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُمَا النَّهْيُ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

 مطلب حُكْمِ لُبْسِ النَّعْلِ فِي الصَّلَاةِ

وَلَا بَأْسَ فِي نَعْلٍ يُصَلِّي بِهِ بِلَا أَذًى وَافْتَقِدْهَا عِنْدَ أَبْوَابِ مَسْجِدِ ‏(‏وَلَا بَأْسَ‏)‏ أَيْ لَا كَرَاهَةَ ‏(‏فِي‏)‏ لُبْسِ ‏(‏نَعْلٍ‏)‏ طَاهِرٍ ‏(‏يُصَلِّي‏)‏ الْإِنْسَانُ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ بِالنَّعْلِ ‏,‏ يَعْنِي يُصَلِّي وَهُوَ لَابِسٌ لَهُ حَيْثُ كَانَ ‏(‏بِلَا أَذًى‏)‏ يَعْنِي حَيْثُ خَلَا النَّعْلُ مِنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يُعْفَى عَنْهَا ‏.‏

وَاسْتَحَبَّ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ - الصَّلَاةَ فِي النِّعَالِ ‏.‏

قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ‏:‏ وَسُئِلَ رضي الله عنه عَمَّنْ يُصَلِّي فِي النَّعْلَيْنِ هَلْ يَجُوزُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَمْ لَا‏؟‏ ‏.‏

أَجَابَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -‏:‏ الصَّلَاةُ فِي النَّعْلَيْنِ سُنَّةٌ ‏,‏ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يُلْبَسُ مِنْ حِذَاءٍ وَجُمْجُمٍ وزربول وَخُفٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ ‏.‏

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ ‏"‏ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ إنَّ الْيَهُودَ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ فَخَالِفُوهُمْ ‏,‏ فَأَمَرَنَا أَنْ نُخَالِفَ الْيَهُودَ الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ ‏"‏ ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَالصَّلَاةُ فِي النَّعْلَيْنِ مِمَّا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَفِي السُّنَنِ أَيْضًا ‏"‏ أَنَّهُ صَلَّى فِي نَعْلِهِ ‏,‏ وَصَلَّى أَصْحَابُهُ فِي نِعَالِهِمْ ‏,‏ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ‏,‏ فَخَلَعُوا نِعَالَهُمْ ‏,‏ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ‏:‏ لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ رَأَيْنَاك خَلَعْت نَعْلَيْك فَخَلَعْنَا نِعَالَنَا ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا أَذًى ‏,‏ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُرْ فِي نَعْلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَذًى فَلْيَدْلُكْهُمَا بِالتُّرَابِ فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُمَا طَهُورٌ ‏"‏ فَصَلَاةُ الرَّجُلِ لِلْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ وَالْجِنَازَةِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِي نَعْلَيْهِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَسَوَاءٌ كَانَ يَمْشِي بِهِمَا فِي طُرُقَاتِ الْمَدِينَةِ الَّتِي فِي الْأَسْوَاقِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَمْشُونَ فِي طُرُقَاتِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا بِنِعَالِهِمْ وَيُصَلُّونَ فِيهَا ‏.‏

وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ فِيهِمَا ‏,‏ بَلْ كَانُوا يَخْرُجُونَ بِهَا إلَى الْحُشُوشِ حَيْثُ يَتَغَوَّطُونَ وَيَطَئُونَ الْأَرْضَ بِمَا عَلَيْهَا ‏,‏ وَقَدْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ إذَا رَأَى أَحَدُهُمْ فِي نَعْلَيْهِ أَذًى فَلْيَدْلُكْهُمَا بِالتُّرَابِ فَإِنَّ التُّرَابَ طَهُورُ النَّعْلَيْنِ ‏.‏

وَهَذَا عَلَى رَأْيِهِ رضي الله عنه وَهُوَ اخْتِيَارُهُ قَالَ‏:‏ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ نَصًّا وَقِيَاسًا ‏.‏

وَأَطَالَ فِي اسْتِدْلَالٍ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

وَقَالَ النَّاظِمُ‏:‏ وَالْأَوْلَى الصَّلَاةُ حَافِيًا ‏.‏

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا ‏"‏ إذَا خَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ خَلَّصَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ ذُنُوبِهِ حَتَّى يَلْقَاهُ كَهَيْئَةِ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ‏"‏ رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي‏:‏ هَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ خَلْعِ النَّعْلِ فِي الصَّلَاةِ ‏.‏

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ فِي خَلْعِ نَعْلٍ كَانَ فِيهَا أَذًى ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ ذَكَرَ الْقَاضِي الِاسْتِحْبَابَ وَعَدَمَهُ لِلْخَبَرَيْنِ ‏.‏

وَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ خُذُوا زِينَةَ الصَّلَاةِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا زِينَةُ الصَّلَاةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الْبِسُوا نِعَالَكُمْ وَصَلُّوا فِيهَا ‏"‏ ‏.‏

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْيُونِينِيُّ فِي مُخْتَصَرِهَا بَعْدَ إيرَادِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ فِي النِّعَالِ ‏.‏

قَالَا‏:‏ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي النَّعْلِ وَنَحْوِهِ مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ‏:‏ وَإِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْخُفِّ لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب يُسَنُّ لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَتَعَاهَدَ نَعْلَهُ

وَأَنْ يَبْدَأَ بِخَلْعِ الْيُسْرَى وَيُقَدِّمَ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَيَقُولَ مَا وَرَدَ ‏(‏وَافْتَقَدَهَا‏)‏ أَيْ يُسَنُّ افْتِقَادُ النِّعَالِ ‏(‏عِنْدَ‏)‏ إرَادَةِ دُخُولِ ‏(‏أَبْوَابِ‏)‏ جَمْعُ بَابِ ‏(‏مَسْجِدٍ‏)‏ لِإِزَالَةِ مَا عَلِقَ بِهَا مِنْ أَذًى ‏;‏ لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏‏:‏ تَعَاهَدُوا نِعَالَكُمْ عِنْدَ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ ‏"‏ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى‏:‏ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهَا نَجَاسَةٌ فَتُنَجِّسَ الْمَسْجِدَ ‏.‏

وَتَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي فَتْوَاهُ قَرِيبًا ‏.‏

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى‏:‏ وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ بِخَلْعِ الْيُسْرَى وَلُبْسِ الْيُمْنَى ‏.‏

بِيَسَارِهِ فِيهِمَا ‏,‏ وَالْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُ فِيهِمَا سَوَاءٌ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ‏:‏ رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ خَلَعَ نَعْلَيْهِ ‏,‏ وَهُوَ قَائِمٌ ‏,‏ وَيُقَدِّمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ وَالْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ يَعْنِي الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الْيُمْنَى مِنْ رِجْلَيْهِ دُخُولًا وَالْيُسْرَى خُرُوجًا ‏.‏

وَيَقُولُ عِنْدَ الدُّخُولِ‏:‏ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك ‏,‏ ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ وَيَدْخُلُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِأَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَيُقَدِّمَ الْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ ‏,‏ وَيَقُولَ مَا ذَكَرْنَاهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ أَبْوَابَ فَضْلِك بَدَلَ رَحْمَتِك ‏.‏

فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك ‏"‏ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ ‏.‏

وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَهُوَ فِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ ‏.‏

زَادَ ابْنُ السُّنِّيِّ ‏"‏ وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلْيَقُلْ‏:‏ اللَّهُمَّ أَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ‏"‏ رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي صَحِيحِهِمَا ‏.‏

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ‏:‏ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ حَفِظَهُ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ ‏"‏ ‏.‏

وَفِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ جَدَّتِهِ رضي الله عنها قَالَتْ ‏"‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ حَمِدَ اللَّهَ - تَعَالَى ‏,‏ وَسَمَّى وَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ‏,‏ وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك ‏,‏ وَإِذَا خَرَجَ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك ‏"‏ ‏.‏

وَفِي الْمُسْنَدِ وَالتَّرْمِذِيِّ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عَنْ جَدَّتِهَا فَاطِمَةَ الْكُبْرَى رضي الله عنهم قَالَتْ ‏"‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلِّمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَإِذَا خَرَجَ قَالَ مِثْلَهَا إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ‏:‏ أَبْوَابَ فَضْلِك ‏"‏ ‏.‏

وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ ‏"‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ ‏"‏ ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَهَذَا الْحَدِيثُ ‏,‏ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَاحِدٌ ‏.‏

وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُمَا بِصُورَةِ حَدِيثَيْنِ لِمَا فِي أَلْفَاظِهِمَا مِنْ التَّخَالُفِ ‏,‏ وَلِأَنَّ الشَّيْخَ أَبَا زَكَرِيَّا النَّوَوِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَزَاهُ لِابْنِ السُّنِّيِّ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب بَيَانِ مَحَلِّ وَضْعِ نَعْلِ الْمُصَلِّي

ثُمَّ إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِمَا تَرَكَهُمَا أَمَامَهُ ‏.‏

وَعَنْهُ بَلْ عَنْ يَسَارِهِ ‏;‏ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَلَعَ نَعْلَيْهِ ‏,‏ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ جَعَلَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ ‏.‏

رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إنْ كَانَ مَأْمُومًا جَعَلَهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ لِئَلَّا يُؤْذِيَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا جَعَلَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ كَيْلَا يُؤْذِيَ أَحَدًا ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي‏:‏ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا جَانِبَ الْيَسَارِ ‏;‏ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ‏,‏ رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ وَالْخَلَّالُ وَلِأَنَّ الْيَسَارَ جُعِلَتْ لِلْأَشْيَاءِ الْمُسْتَقْذَرَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي‏:‏ فَأَمَّا مَوْضِعُهُمَا مِنْ غَيْرِ الْمُصَلِّي فَإِلَى جَنْبِهِ ‏,‏ كَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ مِنْ السُّنَّةِ إذَا جَلَسَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ فَيَضَعَهُمَا بِجَانِبِهِ ‏.‏

قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ كَغَيْرِهِ‏:‏ وَلَا يَرْمِ بِهِمَا عَلَى وَجْهِ الْكِبْرِ وَالتَّعَاظُمِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ أَرْضِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَذَى أَحَدٍ لَمْ يَجُزْ ‏,‏ وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ ‏,‏ وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ ‏.‏

انْتَهَى

 مطلب فِي فَضْلِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ

‏(‏تَتِمَّةٌ‏)‏ فِي طَرَفٍ مِنْ آدَابِ الْمَسَاجِدِ وَاِتِّخَاذِهَا ‏,‏ وَذَلِكَ أَنْوَاعٌ‏:‏ ‏(‏النَّوْعُ الْأَوَّلُ‏)‏ فِي بِنَائِهَا وَفَضْلِهَا الْقَائِمِ بِذَلِكَ ‏.‏

اعْلَمْ - وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِكُلِّ فِعْلٍ حَمِيدٍ ‏,‏ وَعَمَلٍ سَدِيدٍ ‏,‏ وَقَوْلٍ مُفِيدٍ - أَنَّهُ يَجِبُ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْمَحَالِّ وَنَحْوِهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ‏,‏ وَهِيَ أَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا ‏.‏

وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ‏.‏

فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى الْبَزَّارُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا قَدْرَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ‏"‏ وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما وَلَفْظُهُ ‏"‏ وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ‏"‏ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ‏.‏

وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا ‏"‏ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ يَسَعُهَا لِبَيْضِهَا ‏"‏ وَمَفْحَصُ الْقَطَاةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ مَجْثَمُهَا ‏.‏

قَالَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ ‏.‏

وَالْقَطَاةُ وَاحِدَةُ الْقَطَا طَائِرٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَمَامِ ‏.‏

وَسُمِّيَتْ قَطَاةً لِحِكَايَةِ صَوْتِهَا فَإِنَّهَا تَقُولُ كَذَلِكَ ‏.‏

قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ مَفْحَصِ الْقَطَاةِ‏:‏ هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَوْضِعُهَا الَّذِي تَجْثُمُ فِيهِ وَتَبِيضُ ‏,‏ كَأَنَّهَا تَفْحَصُ عَنْهُ التُّرَابَ أَيْ تَكْشِفُهُ ‏,‏ وَالْفَحْصُ الْبَحْثُ وَالْكَشْفُ ‏.‏

خَصَّ الْقَطَاةَ بِهَذَا لِأَنَّهَا لَا تَبِيضُ فِي شَجَرَةٍ وَلَا عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ إنَّمَا تَجْعَلُ مَجْثَمَهَا عَلَى بَسِيطِ الْأَرْضِ دُونَ سَائِرِ الطَّيْرِ ‏,‏ فَلِذَلِكَ شَبَّهَ بِهِ الْمَسْجِدَ ‏,‏ وَلِأَنَّهَا تُوصَفُ بِالصِّدْقِ ‏,‏ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ إخْلَاصِ النِّيَّةِ وَصِدْقِهَا فِي الْبِنَاءِ ‏,‏ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ ‏.‏

وَقِيلَ خَرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ التَّرْغِيبِ بِالْقَلِيلِ مَخْرَجَ الْكَثِيرِ ‏,‏ كَمَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّحْذِيرِ بِالْقَلِيلِ عَنْ الْكَثِيرِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ‏,‏ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ‏"‏ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي شَرْحِ هَذَا الْخَبَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ‏.‏

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ‏"‏ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ ‏,‏ فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عَنْهَا بَعْدَ أَيَّامٍ فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا مَاتَتْ قَالَ فَهَلَّا آذَنْتُمُونِي ‏,‏ فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا ‏"‏ وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ ‏"‏ إنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَلْقُطُ الْخِرَقَ وَالْعِيدَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ ‏"‏ وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏ كَانَتْ سَوْدَاءُ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَتُوُفِّيَتْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِهَا فَقَالَ أَلَا آذَنْتُمُونِي ‏,‏ فَخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ فَوَقَفَ عَلَى قَبْرِهَا فَكَبَّرَ عَلَيْهَا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ وَدَعَا لَهَا ثُمَّ انْصَرَفَ ‏"‏ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ‏"‏ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَلْقُطُ الْقَذَى مِنْ الْمَسْجِدِ فَتُوُفِّيَتْ فَلَمْ يُؤْذَنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِدَفْنِهَا ‏,‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا مَاتَ لَكُمْ مَيِّتٌ فَآذِنُونِي ‏,‏ وَصَلَّى عَلَيْهَا ‏,‏ وَقَالَ إنِّي رَأَيْتهَا فِي الْجَنَّةِ تَلْقُطُ الْقَذَى فِي الْمَسْجِدِ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبِهَانِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ مَرْزُوقٍ قَالَ ‏"‏ كَانَتْ امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَتْ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ عَلَى قَبْرِهَا فَقَالَ مَا هَذَا الْقَبْرُ‏؟‏ فَقَالُوا أُمُّ مِحْجَنٍ ‏,‏ قَالَ الَّتِي كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ‏؟‏ قَالُوا نَعَمْ ‏,‏ فَصَفَّ النَّاسَ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ أَيَّ الْعَمَلِ وَجَدْت أَفْضَلَ‏؟‏ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَسْمَعُ‏؟‏ قَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهَا ‏,‏ فَذَكَرَ أَنَّهَا أَجَابَتْهُ قَمَّ الْمَسْجِدِ ‏"‏ وَهَذَا مُرْسَلٌ ‏.‏

وَقَمُّ الْمَسْجِدِ بِالْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ هُوَ كَنْسُهُ ‏.‏

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَأَشَارَ الْمُنْذِرِيُّ إلَى ضَعْفِهِ عَنْ أَبِي قِرْصَافَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ ابْنُوا الْمَسَاجِدَ وَأَخْرِجُوا الْقُمَامَةَ مِنْهَا ‏,‏ فَمَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ الَّتِي تُبْنَى فِي الطَّرِيقِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ وَإِخْرَاجُ الْقُمَامَةِ مِنْهَا مُهُورُ الْحُورِ الْعِينِ ‏"‏ ‏.‏

وَالْقُمَامَةُ بِالضَّمِّ الْكُنَاسَةُ ‏.‏

وَاسْمُ أَبِي قِرْصَافَةَ بِكَسْرِ الْقَافِ جَنْدَرَةُ بْنُ خَيْشَنَةَ ‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِسَنَدٍ مُحْتَمِلِ الْحُسْنِ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ مَنْ أَخْرَجَ أَذًى مِنْ الْمَسْجِدِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ‏"‏ ‏.‏

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْكَنْسُ وَنَحْوُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَهُوَ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا ‏,‏ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ ‏.‏

وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

 مطلب يُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ

وَيُسَنُّ أَنْ تُصَانَ الْمَسَاجِدُ عَنْ صَغِيرٍ ‏.‏

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى‏:‏ أَطْلَقُوا الْعِبَارَةَ ‏,‏ وَالْمُرَادُ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -‏:‏ إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يُمَيِّزُ غَيْرَ مَصْلَحَةٍ وَلَا فَائِدَةٍ ‏.‏

وَعَنْ مَجْنُونٍ حَالَ جُنُونِهِ ‏.‏

وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ ‏.‏

وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏‏:‏ جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ ‏,‏ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ ‏,‏ وَاِتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ ‏"‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أُمَامَةَ وَوَاثِلَةَ ‏.‏

وَرَوَاهُ فِي الْكَبِيرِ أَيْضًا بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذٍ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ ‏.‏

قَوْلُهُ جمروها أَيْ بَخِّرُوهَا وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ ‏.‏

 مطلب يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ

قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ وَيَحْرُمُ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْإِجَارَةُ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ ‏,‏ فَإِنْ فَعَلَ فَبَاطِلٌ ‏.‏

وَيُسَنُّ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي فِيهِ لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك ‏,‏ وَهَذَا الْمَذْهَبُ ‏.‏

وَقِيلَ يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِيهِ لَا أَنَّهُمَا يَحْرُمَانِ ‏,‏ قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ ‏.‏

وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ ‏.‏

فَعَلَى التَّحْرِيمِ فِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ الْمَذْهَبُ عَدَمُهَا وَقِيلَ بَلَى ‏.‏

وَلَا يَجُوزُ التَّكَسُّبُ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّنْعَةِ كَخِيَاطَةٍ وَغَيْرِهَا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِحَاجَةٍ وَغَيْرِهَا ‏.‏

قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَقَالَ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ الْمَسْجِدُ مَكَانًا لِلْمَعَاشِ وَقُعُودِ الصُّنَّاعِ وَالْفَعَلَةِ فِيهِ يَنْتَظِرُونَ مَنْ يكتريهم بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْبَضَائِعِ فِيهِ يَنْتَظِرُ مَنْ يَشْتَرِيهَا ‏,‏ وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ خِصَالٌ لَا ينبغين فِي الْمَسْجِدِ‏:‏ لَا يُتَّخَذُ طَرِيقًا ‏,‏ وَلَا يُشْهَرُ فِيهِ سِلَاحٌ وَلَا يُنْبَضُ فِيهِ بِقَوْسٍ ‏,‏ وَلَا يُنْثَرُ فِيهِ نَبْلٌ ‏,‏ وَلَا يُمَرُّ فِيهِ بِلَحْمٍ نِيءٍ ‏,‏ وَلَا يُضْرَبُ فِيهِ حَدٌّ ‏,‏ وَلَا يُقْتَصُّ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ ‏,‏ وَلَا يُتَّخَذُ سُوقًا ‏"‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ‏.‏

وَرَوَى مِنْهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ‏"‏ لَا تَتَّخِذُوا الْمَسَاجِدَ طُرُقًا إلَّا لِذِكْرٍ أَوْ صَلَاةٍ ‏"‏ وَإِسْنَادُ الطَّبَرَانِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ ‏.‏

قَوْلُهُ ‏"‏ يُنْبَضَ فِيهِ بِقَوْسٍ ‏"‏ يُقَالُ انْبِضْ الْقَوْسَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ إذَا حَرَّكَ وَتَرَهَا لِتَرِنَّ ‏.‏

وَالنِّيءُ بِكَسْرِ النُّونِ وَهَمْزَةٍ بَعْدَ الْيَاءِ مَمْدُودًا ‏,‏ هُوَ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ وَقِيلَ‏:‏ لَمْ يَنْضُجْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

وَإِنْ وَقَفُوا خَارِجَ أَبْوَابِهِ فَلَا بَأْسَ ‏.‏

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه‏:‏ لَا أَرَى لِرَجُلٍ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَّا أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ الذِّكْرَ وَالتَّسْبِيحَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِذَلِكَ وَلِلصَّلَاةِ ‏,‏ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ خَرَجَ إلَى مَعَاشِهِ ‏.‏

قَالَ أَيْ فِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ وَيُصَانُ عَنْ عَمَلِ صَنْعَةٍ يُكْرَهُ الْيَسِيرُ لِغَيْرِ التَّكَسُّبِ كَرَقْعِ ثَوْبِهِ وَخَصْفِ نَعْلِهِ ‏,‏ سَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ يُرَاعِي الْمَسْجِدَ بِكَنْسٍ وَنَحْوِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ‏.‏

وَذَكَرَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى رِوَايَتَيْنِ‏:‏ الْحُرْمَةُ وَالْكَرَاهَةُ ‏,‏ وَنَقَلَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِمَا ‏,‏ وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رضي الله عنه سَهَّلَ فِيهَا ‏.‏

قَالَ الْحَارِثِيُّ‏:‏ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَوْعُ تَحْصِيلٍ لِلْعِلْمِ فَهِيَ فِي مَعْنَى الدِّرَاسَةِ ‏.‏

وَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ تَعَلُّمُ الصِّبْيَانِ لِلْكِتَابَةِ فِيهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْصُلَ ضَرَرٌ بِحِبْرٍ ‏,‏ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ

 مطلب حُكْمِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ

وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ عَنْ لَغَطٍ ‏,‏ وَكَثْرَةِ حَدِيثِ لَاغٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِمَكْرُوهٍ ‏.‏

وَظَاهِرُ هَذَا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ مُسْتَحَبًّا ‏,‏ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ ‏.‏

وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ‏:‏ يُكْرَهُ إلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى ‏.‏

وَمَذْهَبُ مَالِكٍ كَرَاهَةُ ذَلِكَ ‏.‏

قَالَ أَشْهَبُ‏:‏ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ ‏,‏ قَالَ‏:‏ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ وَلَا فِي غَيْرِهِ ‏,‏ وَلَقَدْ أَدْرَكْت النَّاسَ قَدِيمًا يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَكُونُ بِمَجْلِسِهِ ‏,‏ وَمَنْ كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ كَانَ يُعْتَذَرُ مِنْهُ ‏,‏ وَأَنَا أَكْرَهُ ذَلِكَ ‏,‏ وَلَا أَرَى فِيهِ خَيْرًا ‏,‏ انْتَهَى ‏.‏

وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ الْحَدِيثُ فِي الْمَسْجِدِ ‏,‏ وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ الْمُبَاحَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ الْبَهِيمَةُ الْحَشِيشَ ‏,‏ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ فَهُوَ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ ‏.‏

قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ‏:‏ لَمْ يُوجَدْ ‏.‏

وَذَكَرَهُ الْقَارِئُ فِي مَوْضُوعَاتِهِ ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ‏:‏ وَلَا بَأْسَ بِالْمُنَاظَرَةِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْمَسَائِلِ إذَا كَانَ الْقَصْدُ طَلَبَ الْحَقِّ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ مُغَالَبَةً وَمُنَافَرَةً دَخَلَ فِي خَبَرِ الْمِلَاحَةِ وَالْجِدَالِ فِيمَا لَا يَعْنِي ‏,‏ وَلَمْ يَجُزْ فِي الْمَسَاجِدِ ‏.‏

فَأَمَّا الْمِلَاحَةُ فِي غَيْرِ الْعُلُومِ فَلَا تَجُوزُ حَتَّى فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ ‏;‏ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَخَرَجَ لِيُعْلِمَ النَّاسَ - فَتَلَاحَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ فَرُفِعَتْ ‏,‏ فَلَوْ كَانَ فِي الْمِلَاحَةِ خَيْرٌ لَمَا كَانَتْ سَبَبًا لِنِسْيَانِهَا ‏.‏

وَلِأَنَّ اللَّهَ صَانَ الْإِحْرَامَ عَنْ الْجِدَالِ فَقَالَ‏:‏ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ‏.‏

وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ عَنْ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ مِنْ بَصَلٍ وَثُومٍ وَكُرَّاتٍ وَنَحْوِهَا ‏.‏

وَإِنْ دَخَلَهُ اُسْتُحِبَّ إخْرَاجُهُ ‏.‏

وَمِثْلُهُ مَنْ بِهِ بَخْرٌ وَصُنَانٌ قَوِيٌّ ‏.‏

وَمِثْلُهُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ مِنْ دُبُرِهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ ‏.‏

وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْمَنْقُولِ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ رِيحٌ ‏,‏ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ يَتَلَقَّاهُ مَلَكٌ بِفَمِهِ ‏,‏ وَيَخْرُجُ بِهِ إلَى خَارِجِ الْمَسْجِدِ ‏,‏ فَإِذَا تَفَوَّهَ بِهِ مَاتَ الْمَلَكُ ‏,‏ فَهُوَ كَلَامٌ بَاطِلٌ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى أَصْلٍ يُسْنَدُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب حُكْمِ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ

وَيُسَنُّ صَوْنُهُ عَنْ نَوْمٍ ‏,‏ وَعَنْهُ عَنْ نَوْمٍ كَثِيرٍ ‏,‏ وَعَنْهُ‏:‏ إنْ اتَّخَذَهُ مَبِيتًا وَمَقِيلًا كُرِهَ مُطْلَقًا ‏,‏ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا ‏.‏

كَذَا أَطْلَقُوا الْعِبَارَةَ ‏.‏

وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ مِنْ هَذَا نَوْمُ الْمُعْتَكِفِ قَالَهُ فِي الْآدَابِ ‏,‏ وَاسْتَثْنَاهُ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ ‏,‏ وَاسْتَثْنَى الْغَرِيبَ أَيْضًا ‏.‏

وَذَكَرَ الشَّيْخُ ابْنُ عُمْرَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأَذَانِ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُفَصِّلْ ‏.‏

وَقَالَ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ الْحَارِثِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَصْحَابِ‏:‏ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِلْمُعْتَكِفِ وَكَذَا مَا لَا يُسْتَدَامُ كَبَيْتُوتَةِ الضَّيْفِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَقَيْلُولَةِ الْمُجْتَازِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ ‏,‏ نَصَّ عَلَيْهِ يَعْنِي الْإِمَامَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ ‏.‏

وَمَا يُسْتَدَامُ مِنْ النَّوْمِ كَنَوْمِ الْمُقِيمِ بِهِ فَعَنْ أَحْمَدَ الْمَنْعُ ‏,‏ وَحَكَى الْقَاضِي رِوَايَةً بِالْجَوَازِ ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَبِهَذَا أَقُولُ انْتَهَى ‏.‏

وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رضي الله عنه فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ إنَّمَا يُرَخَّصُ فِي النَّوْمِ فِي الْمَسَاجِدِ لِذَوِي الْحَاجَةِ مِثْلُ مَا كَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ ‏,‏ كَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي مُهَاجِرًا إلَى الْمَدِينَةِ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ يَأْوِي إلَيْهِ فَيُقِيمُ بِالصُّفَّةِ إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ لَهُ أَهْلٌ أَوْ مَكَانٌ يَأْوِي إلَيْهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ ‏,‏ وَمِثْلُ الْمِسْكِينَةِ الَّتِي كَانَتْ تَأْوِي إلَى الْمَسْجِدِ وَكَانَتْ تَقُمْهُ ‏,‏ وَمِثْلَ مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ عَزَبٌ ‏;‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْتٌ يَأْوِي إلَيْهِ حَتَّى تَزَوَّجَ ‏.‏

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه لَمَّا تَقَاوَلَ هُوَ وَسَيِّدَتُنَا فَاطِمَةُ رضي الله عنها ذَهَبَ إلَى الْمَسْجِدِ فَنَامَ فِيهِ ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَيَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرِ الْيَسِيرِ وَذَوِي الْحَاجَاتِ ‏,‏ وَبَيْنَ مَا يَصِيرُ عَادَةً وَيَكْثُرُ وَمَا يَكُونُ لِغَيْرِ ذَوِي الْحَاجَاتِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما‏:‏ لَا يُتَّخَذُ الْمَسْجِدُ مَبِيتًا وَمَقِيلًا ‏.‏

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْمَبِيتِ فِي الْمَسْجِدِ‏:‏ إنْ كَانَ الْمَبِيتُ لِحَاجَةٍ كَالْغَرِيبِ الَّذِي لَا أَهْلَ لَهُ وَالْقَرِيبِ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا بَيْتَ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَبِيتُ فِيهِ بِمِقْدَارِ الْحَاجَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ فَلَا بَأْسَ ‏,‏ وَأَمَّا مَنْ اتَّخَذَهُ مَبِيتًا وَمَقِيلًا فَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب حُكْمِ إنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ

وَيُسَنُّ صَوْنُهُ عَنْ إنْشَادِ شِعْرٍ مُحَرَّمٍ وَقَبِيحٍ وَغِنَاءٍ وَعَمَلِ سَمَاعٍ ‏.‏

رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يُنْشِدُ شِعْرًا فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا‏:‏ فَضَّ اللَّهُ فَاكَ ‏"‏ قَالَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ فِي الْغَنِيمَةِ‏:‏ لَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ شِعْرٍ خَالٍ مِنْ سُخْفٍ وَهِجَاءٍ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ‏:‏ وَالْأَوْلَى صِيَانَتُهُ عَنْهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ الزُّهْدِيَّاتِ فَيَجُوزُ الْإِكْثَارُ ‏;‏ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ وُضِعَتْ لِذِكْرِ اللَّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُجَلَّ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَمِثْلُ الزُّهْدِيَّاتِ بَلْ أَوْلَى مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ هَجْوِ أَعْدَاءِ ‏.‏

اللَّهِ وَتَحْرِيضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْقِتَالِ ‏.‏

قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ وَيُبَاحُ فِيهِ عَقْدُ النِّكَاحِ ‏(‏الْمَسْجِدُ‏)‏ ‏.‏

قُلْت‏:‏ بَلْ اسْتَحَبَّهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ انْتَهَى ‏.‏

وَالْقَضَاءُ وَاللِّعَانُ وَالْحُكْمُ وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ ‏.‏

وَيُبَاحُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ‏(‏الْمَسْجِدُ‏)‏ ‏.‏

 مطلب حُكْمِ إنْشَادِ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ

وَيُصَانُ عَنْ إنْشَادِ ضَالَّةٍ وَنِشْدَانِهَا ‏,‏ وَيَقُولُ سَامِعُهُ‏:‏ لَا وَجَدْتهَا وَلَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ ‏.‏

رَوَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ‏.‏

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ‏:‏ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏ إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا‏:‏ لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك ‏,‏ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ ضَالَّةً فَقُولُوا‏:‏ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك ‏"‏ ‏.‏

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا ‏"‏ مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ‏:‏ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا ‏"‏ ‏.‏

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه ‏"‏ أَنَّ رَجُلًا أَنْشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ‏:‏ مَنْ دَعَا إلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لَا وَجَدْت إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ ‏"‏ ‏.‏

وَيُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنْ تَعْلِيقِ مُصْحَفٍ وَغَيْرِهِ فِي قِبْلَتِهِ دُونَ وَضْعِهِ بِأَرْضِهِ ‏.‏

‏(‏قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه‏:‏ يُكْرَهُ أَنْ يُعَلَّقَ بِالْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ‏,‏ وَلَمْ يُكْرَهْ أَنْ يُوضَعَ فِي الْمَسْجِدِ الْمُصْحَفُ ‏.‏